محطات نيوز – ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا أن نأخذ بكلام أمير المؤمنين حين وقف يتأمل الدنيا كيف تمر سريعا، فلا يجد الإنسان نفسه إلا وهو يقف أمام الحقيقة التي طالما غفل عنها، ولم يعرها بالا؛ فقد قال: “أما بعد، فإن الدنيا أدبرت وآذنت بوداع (أعلمت بانقضائها)، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع (أتت فجأة)، ألا وإن اليوم المضمار (تأهيل الخيل للسباق)، وغدا السباق، والسبقة الجنة (الغاية)، والغاية النار. أفلا تائب من خطيئته قبل منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا وإنكم في أيام أمل (بقاء) من ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله، فقد نفعه عمله، ولم يضره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله وضره أجله. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها. ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان؛ اتباع الهوى وطول الأمل، فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا” (تحفظونها من الهلاك الأبدي). هذه الدنيا غرت الكثيرين وأنستهم أن يأخذوا منها ما يستعينون به على موقفهم بين يدي ربهم، فخرجوا منها بلا زاد، فلا تغرنا كما غرت غيرنا، وهذا هو سبيل الواعين ومن يحسنون العمل ويقدرون على مواجهة تحديات الحياة”.
واضاف: “البداية من لبنان، الذي، وبحمد الله، خرج طلاب الشهادات الرسمية فيه من أسر من جعلوهم رهائن لتحقيق مطالبهم، أرادوا ذلك أو لم يريدوا، أو من كونهم ضحية المناكفات السياسية وغير السياسية. وهنا، لا بد من أن نقدر كل الذين بذلوا جهودا في هذا المجال، للوصول إلى الحل، رغم كونه جزئيا، وندعوهم إلى استكمال السعي لمتابعة أمر التصحيح وإصدار النتائج، التي لا تزال معلقة مع الأسف، حرصا على مستقبل الطلاب، وعدم وقوعهم مجددا في التوتر الذي عاشوه في الفترة الماضية قبل الامتحانات”.
وناشد “المجلس النيابي للقيام بمسؤوليته في إنهاء ملف سلسلة الرتب والرواتب، ضمن صيغة تراعي حاجات هذه الفئة الكبيرة من المجتمع، والتي من حقها أن تحصل على العيش الكريم، من دون الإخلال بالواقع الاقتصادي في البلد”.
ورأى ان “الدولة معنية بتأمين حاجات موظفيها ومواطنيها، ولو بالحد الأدنى، ونحن نعتقد أنه لو صفت النيات، وخرج الجميع من مصالحهم واعتباراتهم الخاصة، وفكروا بمسؤولية وطنية، لوجدوا سبيلا إلى ذلك، ويكفي أن توقف صناديق الهدر، ويعاد النظر في الأملاك البحرية، وتفرض الضرائب على الكماليات، وعلى من يعتبرون حيتان المال، ويعاد النظر في الرواتب العالية، حتى تلك التي يتقاضاها المسؤولون، لكي تؤمن السلسلة من دون أن تحدث انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني”.
وكرر “الدعوة للمسؤولين لعدم الاستكانة للفراغ وسياسة التعطيل التي قد تصل إلى كل مواقع الدولة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وخصوصا أننا لا نلمس خطوات جادة لتحقيق التوافق على شخص الرئيس، ونحن نرى أن العامل الداخلي لا يزال عاملا أساسيا في حصول هذا التوافق، وليس هناك سعي لتسريع عجلة بقية المؤسسات، إذ لا حل إلا به. كما نعتقد أنه لو توافقت الكتل النيابية على اسم معين، فستبارك القوى الإقليمية والدولية ذلك، وستشكرها على هذا الإجراء”.
وقال: “إننا نهيب بالجميع أن يكونوا على مستوى المسؤولية في هذا البلد، الذي تشتعل الحرائق من حوله وتشتد، وحسنا فعل مجلس الوزراء عندما درس مفاعيل ما يجري في العراق، والتي لا شك في أنها ستترك تداعياتها على هذا البلد، فلا نخدع أنفسنا باستقرار بلد لا يزال يمثل الرئة التي تتنفس مشاكل المنطقة، فكيف بسمومها؟”
واضاف: “لا بد هنا من أن نتوقف جيدا عند الجريمة التي حصلت أخيرا، وتمثلت في قتل طفل يبلغ من العمر خمس سنوات بعد اغتصابه، هذا إلى جانب العديد من حوادث العنف التي تجري، ما يشير إلى مدى الانحدار الذي وصل إليه واقعنا على المستوى الأخلاقي والإيماني، والذي بات يهدد أجيالنا، ما يستدعي استنفارا من جميع المسؤولين السياسيين والتربويين وعلماء الدين والنفس والاجتماع، لدراسة كل الوسائل التي تقي المجتمع مما بات يعانيه”.
وتساءل “أين هو دور المرجعيات الدينية في كل هذه المشكلات الاجتماعية والأخلاقية؟ إننا نخشى أنها غرقت في الجانب السياسي، ونسيت دورها التربوي والأخلاقي والتوعية والتوجيه”!
ووتابع: “نصل إلى العراق، الذي دخل في مرحلة خطيرة وحساسة نخشى تداعياتها، لا على مستقبل هذا البلد ووحدته فحسب، بل على المنطقة بأكملها، ولا سيما عندما يأخذ هذا التطور العسكري الخطير بعدا طائفيا ومذهبيا. إننا نعرف أن ما حصل يدخل في إطار سعي محاور دولية وإقليمية لإبقاء العراق في دائرة الاهتزاز، مستفيدة من الانقسام السياسي الحاد بين مختلف مكوناته. ومن هنا، وتفويتا للفرصة على كل الذين يريدون للعراق الاكتواء مجددا بنار الفتنة الطائفية والمذهبية، وعلى الذين يحلمون بتقسيم هذا البلد، وحتى لا يكون ساحة صراع دولي وإقليمي، ولا يقع في قبضة من لا يريدون خيرا بالسنة والشيعة والمسيحيين والعرب والكرد والتركمان، فإننا ندعو كل العراقيين إلى الخروج من كل الحسابات التي يتم الانقسام على أساسها، والوقوف صفا واحدا من أجل مواجهة كل ما يجري، فما نراه لن يخدم أحدا، وإن خيل للبعض أنه قادر على الاستفادة منه”.
وأكد ان “أمن العراق ومستقبله مرهونان بوعي العراقيين لما يتهدد بلدهم من مخاطر، ولذلك، فإننا نجدد الدعوة لمعالجة جادة لكل القضايا المطروحة على بساط البحث بين كل مكونات هذا الشعب، من مسألة الفساد، إلى تركيبة الحكم، وإلى المسائل الأخرى التي قد يشعر فيها هذا المكون الطائفي أو ذاك المذهبي، بأنه يعيش حالة قهر معين أو غبن، ليشعر الجميع بأنهم مواطنون من درجة واحدة. إن المرحلة تحتاج من الجميع اتخاذ قرارات حكيمة، ومواقف مدروسة تساهم في درء الفتنة، لا في صب الزيت على نارها. إننا نثق بأن الشعب العراقي الذي خرج من معاناته السابقة، بدءا من نظام الطاغية صدام، مرورا بالاحتلال الأميركي، سيخرج من هذه الأزمة، وسيحول ما جرى إلى فرصة تساهم في تعزيز وحدة العراق والعراقيين، وإيقاف مسلسل الدم في هذا البلد العزيز”.
وختم: “أخيرا، وفي ظل انطلاق كأس العالم، الذي كنا نأمل أن يحاط فيه لبنان برعاية خاصة، وأن لا يقع الفقراء في أزمة عدم القدرة على مشاهدة هذه المباراة العالمية، والتي تعتبر لعبة الفقراء، فإننا ندعو جميع المتابعين لهذا الحدث، إلى التعامل معه بروح رياضية، بعيدا عن التوترات التي تحصل عادة عندما نختلف، وعندما يشجع أحد هذا الفريق أو ذاك، ولا سيما إذا كان ذلك في البيت الواحد، وأن لا يكون هذا الأمر سببا لإزعاج الناس في الليالي أو خلال النهار، حيث لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن هناك من يزعجهم الرصاص والمفرقعات وهدير السيارات وأبواقها. والحكم الشرعي واضح في هذا المجال، فلا يجوز ذلك، حتى لو كان تحت عنوان كأس العالم”.
