المطران عودة في تخريج طلاب مدارس بيروت الأرثوذكسية: وطننا في مأزق كبير لأنه جسم بلا رأس ويحتاج إلى أبناء أمناء يغلبون مصلحته

محطات نيوز – أقامت المدارس التابعة لأبرشية بيروت اليوم، في مدرسة البشارة الأرثوذكسية – الرميل، حفل تخريج 221 طالبا، برعاية متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة وحضوره.

وحضر مديرو مدارس الثلاثة الأقمار، زهرة الإحسان، مار الياس بطينا، البشارة الأرثوذكسية، ثانوية السيدة الأرثوذكسية، إضافة إلى مدرستي القديس كوارتوس الرسول للتنشئة اللاهوتية والقديس رومانوس المرنم للموسيقى الكنسية، ومشاركة أفراد الهيئتين التعليمية والإدارية وأهالي الخريجين.

بعد النشيد الوطني وصلاة الشكر والبركة وكلمة ترحيب من مديرة المدرسة المضيفة لورا عبدالله رزق، ألقى المطران عودة كلمة توجه فيها إلى الخريجين بالقول: أود أولا أن أهنئكم على نجاحكم وعلى إنهائكم مرحلة أساسية من وجودكم ومن تعلمكم، هي مرحلة المدرسة التي هيأتكم لولوج مرحلة التعلم الجامعي، وخلاله تنمو شخصيتكم وتكتمل دراستكم وتتعمق تجربتكم وتتسع آفاق رؤيتكم وتتبلور نظرتكم لمستقبلكم. لقد أنهيتم بنجاح مرحلة الدراسة الثانوية، وفي النجاح سعادة، لكن السعادة الأكبر وليدة العمل الناجح، وليدة الإبداع. النجاح سعي مستمر وجهد مستمر وخلق مستمر. النجاح صنو الإبداع، والسعادة الحقيقية بنت العمل المبدع. وفي هذا شيء من الخلق، شيء من روح الله، ونحن جميعنا مدعوون إلى التأله، بعد أن تجسد إلهنا واتخذ بشرتنا ورسم لنا درب الخلاص وطريق التأله. يسوع قال: أبي يعمل وأنا أعمل. العمل عملية خلق مستمرة. الله الآب، الذي خلق الأرض والسماء وما عليهما، توج عمله بخلق الإنسان، هذا الإنسان الذي متى لقي وجه ربه سوف يسأله ماذا فعلت في حياتك، وليس من هو أبوك؟ وكم تبلغ ثروتك؟ وما هو مركزك؟ المال والمحتد والمركز لا تصنع إنسانا ناجحا. العمل الصادق الدؤوب هو الذي يخط النجاح”.

أضاف: “لذا، أوصيكم فيما أنتم تخطون صوب الجامعة، أن تحرصوا على نهل العلم والمعرفة وعلى افتداء الوقت لأن كل دقيقة تضيعونها خسارة كبيرة لا تعوض، الدقيقة التي تمر لا تعود، والعمر كوميض البرق لا ندري كيف يمر، ولكل مرحلة من العمر طعمها وثمارها. المهم أن يعي الإنسان أن الله منحه هذا العمر وزنة عليه تثميرها لا طمرها كذاك المغفل الذي يذكره الإنجيلي (متى 25: 14: 30). فمن استغل كل دقيقة من كل مرحلة من مراحل عمره من أجل تحقيق ذاته وتثمير وزنته، من أجل أن يكون إنسانا مبدعا خلاقا وخلوقا، هو إنسان يحلق نحو الأعالي، ولا يرضى إلا بالنجوم مسكنا، لكن حذار الكبرياء لأنها تحطم الطموح وتلوث النفس، وتفضي بصاحبها إلى الفشل”.

وتابع: “يا أحبتي، ليس صعبا أن يحلق الإنسان، بل الصعب أن يبقى هو نفسه فيما يحلق. لذا، أوصيكم بالتواضع والوداعة مهما علا شأنكم وكبر اسمكم وعظمت أعمالكم. كونوا واعين مواهبكم على أنها عطية لكم من عطايا الخالق، وأن لا فضل لكم إلا في تفعيلها وتثميرها لتخدم تقدمكم في طريق الفضيلة والعطاء والإبداع، ولتمتن علاقتكم مع الآخر، مع القريب الذي فيه ترون وجه الله وتحبونه. لذا، يجب أن تعودوا دوما إلى ذواتكم، وتنظروا في أعماقها، وتسمعوا صوت الله في داخلكم، وتنطلقوا نحو الآخر بانفتاح وقبول وشراكة حقيقية تنمو وتثمر، بذلك تكونون مواطنين حقيقيين تبنون يدا بيد وطنكم الذي يرزح تحت أثقال كبيرة سببها قلة المحبة، والأنانية، والمصلحة الشخصية، والإنتماء إلى الحزب أو القبيلة أو الطائفة أو ما شابه عوض الإنتماء إلى الوطن”.

وأردف: “وطننا اليوم في مأزق كبير لأنه جسم بلا رأس، والرأس هو الذي ينسق عمل الأعضاء في الجسم ويوجهها، وهو ضروري من أجل انتظام عمل الجسم كله. أي بلد يحترم نفسه يرضى بأن يبقى بلا رئيس؟ وأي مجلس نيابي يحترم واجبه يتقاعس عن انتخاب رئيس؟ وأي شعب واع لا يحاسب من يتقاعس عن القيام بواجبه أو يعرقل سير عمل الدولة؟ وطننا بحاجة إلى أبناء أمناء يغلبون مصلحته على مصلحتهم، ويعملون من أجل وحدته وحريته واستقلاله، من أجل ازدهاره وتطوره ونموه، من أجل أن يكون وطنا يفتخرون به ويحلو لهم العيش في ربوعه”.

وقال: “أنتم أيها الأحبة رجال الغد وبناة الوطن، وهو مسؤولية في أعناقكم. فاعملوا بجهد واجتهاد، وأعدوا أنفسكم للمسؤولية. كونوا أمناء لوطنكم، أوفياء لأصدقائكم، لأن الصديق الوفي أفضل من كنوز تتعفن في أماكن مظلمة، ولكي تحظى بصديق صدوق عليك أنت أن تكون صديقا صدوقا لا يتوسل إلا الصدق والمحبة والتسامح، ولا يؤمن إلا بالحق والعدل طريقا. “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو 14:6) قال الرب يسوع: “من يتبعني لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” (يو 8: 12). أصغوا إذا إلى صوت الله وكونوا قريبين منه، عاملين مشيئته، لأنه ليس أجمل من التقرب من الله، وجعل النفس مرآة تعكس ضياءه على البشرية. كونوا نورا للعالم، كما أوصاكم الرب يسوع، والملح الذي يصبغ النكهة على الطعام، ولا تنسوا أن الله حباكم العقل والقلب، ومنحكم وزنات عليكم العمل على مضاعفتها، ودعائي أن يبارككم الرب الإله ويوفقكم في حياتكم الآتية”.

وختم: “في هذه المناسبة التي تجمعنا معا وتجمع مديري مدارسنا مع تلامذتهم، يسرني أن أنوه بالدور الذي قامت به السيدة هالة سكاف مديرة مدرسة زهرة الاحسان طيلة الفترة التي تسلمت خلالها إدارة المدرسة، السيدة هالة سوف تودعنا في نهاية هذا العام الدراسي، وتسلم الأمانة لأنها شعرت بأنها أدت قسطها للعلى وأنه حان وقت الإبتعاد عن المسؤولية والإهتمام بالعائلة، وبالأحفاد بصورة خاصة، وكلنا نعرف مدى تعلق الجد والجدة بالأحفاد ومدى المحبة العميقة التي يكتنزانها في قلبيهما لأحفادهما، والتي قد تفوق أحيانا محبتهما لفلذات الكبد. ما يهمني قوله أن السيدة هالة كانت أمينة على الوزنة التي أعطيت لها، وحاولت جاهدة تثميرها ومضاعفتها. قد يكون عملها أعجب البعض ولم يعجب البعض الآخر، هذا شأنهم، ونقول لهم ليس لأحد أن يعطي حسابا أمام أحد، بل أمام الله وضميره. وأعتقد أن ضمير العزيزة هالة مرتاح ومطمئن. المدرسة كانت هاجسها، والتلامذة شغلها الشاغل، كانوا بمثابة أولادها، وقد غرست فيهم القيم، وتمنت لهم ما تتمناه لولديها، وما هذه الوقفة الآن إلا لنعبر لها، باسمكم جميعا، عن شكرنا لما قدمته إلى أبنائنا من محبة ورعاية واهتمام وتربية. ولأنها أم، وتعي بعمق معنى الأمومة، هل أفضل من أيقونة والدة الإله، نقدمها إليها لنقول لها شكرا على عطائك ومحبتك وجهودك وأمانتك. لقد عملت بلا كلل، وواجهت المصاعب والتحديات، وحاولت أن تكوني أمينة على المهمة التي أؤتمنت عليها. ونحن نسأل الرب الإله أن يباركك ويمنحك الصحة والعافية والأيام المديدة بشفاعة والدته القديسة التي ستبارك منزلك وحياتك”.

ومن جهته، ألقى مدير مدرسة مار الياس بطينا الثانوية ميشال بيطار كلمة مديري المدارس المشاركة.

وبعد توزيع الشهادات على الخريجين، ألقى باسمهم كل من الطالبة لتيسيا ليون من مدرسة زهرة الإحسان كلمة باللغة الفرنسية، والطالبة دانيا جبل من مدرسة البشارة الأرثوذكسية كلمة باللغة الإنكليزية، والطالبة ريم سرحال من مدرسة مار الياس بطينا الثانوية كلمة باللغة العربية، أجمعت مضامينها على التصميم لمواجهة تحديات المستقبل وإحداث التغيير البناء. كما خصت كلمات الطلاب الأهل والمربين بلفتة شكر وتقدير.

اضف رد

إضغط هنا

أحدث المقالات