محطات نيوز-
على مدى سنوات عاش حزب الله هدنة مع الرئيس سعد الحريري رغم الحرب الاقليمية المشتعلة بين ايران والسعودية ومعها منطقة الخليج. عرف الحزب كيف يحافظ على التوازنات داخل البيئة السنية رغم دعمه لشخصيات سنية وتركيبه “لقاءات وتجمعات” بوجه تيار المستقبل، هدفها “زكزكة” الحريرية السياسية واستعمالها للضغط على الحريري ليس أكثر وهي استنساخ لتجربة النظام السوري في تعامله مع الحريري الاب.
نأى الحريري بنفسه عن الساحة الشيعية، لم يتدخل يوما في الجنوب، أما البقاع فرسم بنفسه خطوطه الطائفية ووزع اعلامه بين أزرق وأصفر الى جانبه الاخضر، وفي بيروت كان بيت الوسط شاهدا على اجتماعات مطولة للحريري مع الحزب عرابها الدائم في السنوات الاخيرة الوزير يوسف فنيانوس.
كان سقف الخطاب السياسي بين الحزب وتيار المستقبل يُعد متنفسا لاحتقان الشارع، وعندما يعلو هذا السقف تتدخل القيادات لاعادته الى نقطة التوافق لمنع أي انزلاق قد يغير ما اتفق عليه.
قطار التوافق ظل على السكة، ولم يغيره موقف أي فريق تابع للحزب في قوى الثامن من آذار. تبدلت الظروف، خرج الحريري من السراي وتمسك الحزب بالمساكنة السياسية معه لاسباب عزاها الى تنفيس الاحتقان السني الشيعي، ولكن في الكواليس سعى الحزب ومعه الرئيس نبيه بري الى اعادة الحريري رئيسا للحكومة وعملا على ذلك، حتى أن وزيراً محسوباً على الثنائي في حكومة حسان دياب كان يردد في مجالسه الخاصة ان الرئيس نبيه بري يسعى الى اعادة الحريري مع النائب السابق وليد جنبلاط وبتوافق مع الحزب.
عودة الحريري اليوم محرراً من التسوية الرئاسية عام 2016 جعلته الاقرب الى الثنائي ، وتقول أوساط متابعة لعملية التشكيل ان الرئيس المكلف يتواصل مع الرئيس نبيه بري في عملية التشكيل بشكل يومي في حين نأى بنفسه عن بعبدا ورفض أكثر من عرض قدمه الرئيس ميشال عون في اطار تسهيل مهمته، كما أن الوساطات التي تعمل لجمعه مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فشلت لتمسك الحريري بتهميش باسيل، طالما أنه يفاوض مع حزب الله والرئيس نبيه بري، ويعتقد أن الاتفاق مع الثنائي يريحه أكثر في مفاوضاته مع الرئيس ميشال عون.
حاجة حزب الله للحريري في هذه المرحلة دفعته الى اعتماد سياسة “الدلع” على الاطراف، لاسيما وأن الانتخابات الاميركية التي يراهن عليها الحزب لن تكون لصالحه، والتغيير الذي قد يطرأ هو في الاسلوب المعتمد في البيت الابيض لا الهدف المتخذ في أي مفاوضات مرتقبة مع ايران. في المقابل يسعى الحريري الى ضرب التسوية الرئاسية عبر الحزب فالمماطلة في التكليف تأخذ من رصيد العهد لا الحريري الذي يريد أن تكون السنتين الرئاسيتين الاخيرتين مجرد ايام معلقة على الرزنامة السياسية، لاسيما وأن رهان الرئيس ميشال عون على ما تبقى من ولايته الرئاسية هو للعمل واخراج لبنان من هذا النفق المظلم في ظل أزمة على مختلف المستويات الامنية الاقتصادية والسياسية.
الحريري الذي أبلغ من يعنيه الامر أنه لن يخسر شيئا ان تمكن من التأليف أو استمر في التكليف، دفع هدفه بتكتل لبنان القوي الى تقديم اقتراح قانون لتعديل الدستور، بشكل يلزم رئيس الجمهورية بالدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة في مهلة أقصاها شهر من تاريخ استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، واقترح إلزام الرئيس المكلف تأليف الحكومة في مهلة أقصاها شهر من تاريخ تسميته لتأدية هذه المهمة، وهي رسالة أراد باسيل ايصالها الى الحريري رغم يقينه بأن هكذا مشروع يحتاج الى رحلة شاقة في ساحة النجمة ولكن الهدف من هذه الخطوة اعلام الحريري أن التيار يدرك نواياه ويعلم أيضا أن رئيس تيار المستقبل لن يقف فقط على التكليف بل قد يبادر في المرحلة المقبلة الى فتح معركة رئاسة الجمهورية ويجهد بتكبيل الرئيس ميشال عون مدعوماً من أصدقائه وحلفائه الدائمين وعلى رأسهم حزب الله الذي دفعته تطورات المنطقة الى اعتماد سياسات جديدة تراعي مستقبله الوجودي في لبنان.