رسالة المفتي قبلان في خطبة الجمعة

محطات نيوز- ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية، وجاء فيها: “لأن الإنسان والوطن أمانة الله، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون)، إنه تحذير من الله تبارك وتعالى للخليقة أجمع كي يمتنعوا عن الفساد والاضطهاد، وعن كافة أنواع الانحراف، وبخاصة الظلم، ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واضطهاده وتجويعه. وفي هذا السياق، وردت الأخبار النبوية الشريفة: ظلم الناس بغي، وخيانة الناس بغي، وخيانة الأمانة بغي، وحبس الحقوق بغي، وتضييع حقوق الناس بغي، وأن البغي يقود صاحبه إلى النار”.

وقال: “ان الله تعالى يريد إكرام خلقه، أرادهم أحرارا في أوطانهم وفي أجيالهم، وبكل ما يحتاجونه، ولكن ضمن إطار العدالة والمساواة والأخلاقيات والحرية المسؤولة، بعيدا عن حال الابتزاز والاحتكار والهيمنة والتسلط، كيفما كان شكل هذا التسلط أو نوعه، ودائما تحت سقف الخشية من الله في العباد والبلاد، ومن خلال سلطة ضامنة وحافظة، لها مشروع ورؤية سياسية واجتماعية وأخلاقية واضحة، غايتها تكريم هذا الإنسان، وتأكيد قداسته وعزته في أي توجه أو حيثية قانونية”.

اضاف: “من هذه العناوين، ومن صميم هذه المفاهيم التي تكرم الإنسان كإنسان، بغض النظر عن لونه أو دينه أو مذهبه أو جنسه، نادينا إلى اعتمادها والالتزام بها كأساس لإنقاذ بلدنا، وهذا يستدعي حلولا وطنية ومواقف جريئة، وتنازلات من قبل الجميع لمصلحة البلد، وليس لبيعه ورهنه، لا للخارج، ولا للداخل الذي يحاول أن يرتزق بالسياسة، ويتاجر بالسيادة، وبعناوين مختلفة”.

واعتبر المفتي قبلان “أن تجيير البلد لمن نهبه وأغرقه اقتصاديا وماليا ممنوع، وعلى الجميع أن يعي جيدا أننا على مفترق خطير، واللعب بمصير البلد ممنوع، فالأزمة خانقة، والمشكل كبير، والذين أخذوا البلد إلى هذا المهوار العميق باتوا معروفين، ويجب محاسبتهم على ما جنت أيديهم بحق بلد وشعب يعيش الخوف من مصير مجهول، ويعاني الجوع والفقر، ويتعرض كل يوم لأزمة جديدة تضاف إلى أزمات لم تعد تعد ولا تحصى، وحيتان لا يشبعها شيء، وفاقدو الضمير والوجدان والإنسانية أكلوا أموال الدولة وحقوق الناس بكل وقاحة، وعلى عينك يا تاجر، وإذا عاتبتهم أو انتقدتهم يأتيك الجواب مناظرات بالعفة والوطنية والنزاهة، فتحسبهم “ملائكة”.

وقال: “للأسف، نحن في بلد الكوارث بكل ما تعني الكلمة، بلد انعدمت فيه الأخلاق والقيم الإنسانية، وغابت الرحمة من قلوب المسؤولين، الذين باتوا لا يخجلون شيئا ولا يستعيبون شيئا، طالما مصالحهم ماشية، وحصصهم مؤمنة، (بتجوع الناس، بينطروا كرتونة، أو علبة دوا تأتي من هذه الدولة أو تلك) الأمر سيان، ولا مشكلة لديهم طالما المناصب محفوظة، والكراسي لا تهتز”.

وأضاف: “نحن في مأساة حقيقية يعيشها اللبناني، ومن حوله تطوف حيتان السياسة وحيتان المال وحيتان المصارف وحيتان الدواء وحيتان المشاريع والصفقات المشبوهة. اللبنانيون جميعا مطوقون بقطيع من الحيتان، ولا منجاة منهم في ظل هذا النظام الطائفي، هذا النظام الذي فصل على مقاسات طائفية ومذهبية ومصلحية، هذا النظام الملغوم بكل أنواع التضليل والتفجير، هذا النظام آن الأوان لأن نغيره، لأن نطوره، لأن نجد له حلا، لأنه لا يوجد حلول في ظل هذا النظام، ولا أمل للبنانيين بأن يعبروا كل هذه الأزمات وهذا النظام قائم، وهذه الذهنية السياسية الحاقدة موجودة”.

وأكد قبلان أن “التغيير حتمي، والعبور إلى لبنان الجديد بات مطلب اللبنانيين جميعا، شاء من شاء، وأبى من أبى، وما يجري الآن هو مخاض عسير، عسى أن يكون حافزا يدفعنا جميعا لأن نتعقل ونستخلص العبر من كل هذه التجارب التي مررنا فيها، ومن كل هذه المآسي التي عشناها، فنذهب معا إلى لبنان الجديد، لبنان التنوع، لبنان العيش الكريم، لبنان الانفتاح على الداخل والخارج، لبنان الموثوق أولا وأخيرا من أبنائه، لبنان الدولة والمؤسسات والسلطة العادلة والقادرة التي لا تميز بين مواطن وآخر، وبين منطقة وأخرى، لبنان الرافض للفوضى وللفتن ولكل المشاريع التي تخفي في طياتها قطب التآمر على وحدة لبنان واللبنانيين”.

ودعا المفتي قبلان “اللبنانيين إلى حماية مشروع الدولة والدفاع عنه بكل قوة في مواجهة كل الألاعيب، التي تستهدف دولتنا ووحدتنا، وذلك برفض التسويات الطائفية والمصلحية والذهاب إلى وفاق وطني، وعدم الاستسلام لإملاءات الخارج وتهديداته بالحصار والإفقار والتجويع، فهذا الأمر لا يخيفنا ولا يرهبنا، وسنلجأ إلى كل الوسائل التي تحمي بلدنا من أدوات هذه الحرب الظالمة”.

وقال: “نوجه الخطاب لمن يهمه الأمر، لا موطن لنا سوى لبنان، وليس لدينا أي جنسية أخرى، فلبنان بلدنا وموطننا وهويتنا، ومسؤولية حمايته والدفاع عنه من واجبنا الوطني والديني والأخلاقي، في مواجهة كل من يحاول زجه في الفوضى وعدم الاستقرار، أو يجهد لإدخاله في حروب أهلية جديدة، فهذا أمر مرفوض، ولا يمكن لعاقل وطني تعنيه سلامة وأمان لبنان واللبنانيين، إلا أن يكون مقاوما وجنديا في معركة صناعة المستقبل وتقرير المصير”.

واعتبر المفتي قبلان أن “المبادرة الفرنسية التي رأينا فيها بصيصا من الأمل، لا نزال نعول عليها، رغم كل الافتراءات الظالمة وغير العادلة التي ساقها صاحبها باتجاه الثنائي الوطني الشيعي، واتهمه بالعرقلة ووضع العصي في الدواليب، آملين من صاحب المبادرة أن يكون واقعيا وغير منحاز، وعلى مسافة واحدة من الجميع، وليس لديه أي توجهات خفية سوى تعافي لبنان وانقاذه، والحفاظ على وحدته”.

وختم بالقول: “ولهذا، نحذر من لعبة الأمم، ولن نقبل لا بتغيير هوية لبنان ولا بجغرافيته، ولا بديموغرافيته، بل سنصبر على قاعدة “صبر القوة” لا “صبر الضعف”، وسنقاوم، وسننتصر بإذن الله تعالى، ولن نقبل إلا بلبنان الواحد والسيادة الكاملة في البر والبحر والجو، وسنرفض أي وصاية دولية أو إقليمية مهما كان الثمن واشتد الخناق والحصار، وغلت التضحيات”.

اضف رد

إضغط هنا

أحدث المقالات