محطات نيوز – هي معاناة، بدأت من بعد عبق رياحين الياسمين الدمشقية، فرض عليهم التشتت والنزوح الى البلاد والمناطق المجاورة، ناشدوا بقيام ثورة، علّهم يعودون بعلامة النصر رمزاً للحرية، الى وطن بات حلماً في حمل معان للانسانية.
هي (ثناء حسنو) السورية المولد والهوا، التي كانت سيدة المكان، ولم تكن تعرف للهروب معنى، حتى الزمها الحراك الشعبي بالنزوح مع عائلتها الى خارج الحدود، لتبحث عن الأمن والآمان بغيرتها وكبريائها، على براعمها الثلاث التي فرض عليها واقع، ان تواجه قدرها.
لقد اعادتني بالذاكرة وبالخيال لمشهد، دخلت فيه حلبة مباراة للملاكمة بعد ان امضت وقتاً طويلاً من الراحة والتمرين اي قبل الحرب، حتى جاء قدرها لتتلاكم مع خصم وهمي، والمباراة بدأت، وهي ضمن الحلبة تقاتل، والقرار لم يكن بيدها.
لم يكن خصمها في ضيق عيشها شخص معين، لكن ما تواجهه وتقاتله في الحلبة قتال بينها وبين القدر، وعليها ان تكسب هذه المباراة مهما كانت التكاليف. وهنا كانت المواجهة في ان تخفي مواطن ضعفها وتبذل قصارى جهدها، لتواجه ما هي فيه، فاستجمعت شجاعتها لتواجه بعزيمة، وتفكر تفكيراً ايجابياً.
وكان دخولها مع عائلتها لبنان البلد المجاور، في رحلة غير معروف نهايتها، وقلبها ممزق، ولم تفكر لحظة ان الله يريد لها الالم، وفي قرارها ان تنشيء، مخزنا للقوة الداخلية بمرور الوقت، وبدلاً من ان تغرق في الظلم والبؤس. وهي في وسط الألم والأـسى، اشارت كيف ان زوجها اراد في تخفيف ما هم عليه، وحتى لا يميل الى اتخاذ سلبي من نفسه في التفكير بأنه عديم الجدوى، وسعيه ضمن الظروف التي اعطيت له، فعمل في ملحمة احد معارفه، الى ان تغيرت تصرفاته واختفائه، من بعد ان شاركها العيش في لبنان مدة تسعة اشهر، وهي على يقين انه موجود في سوريا بصفوف المتقاتلين.
بإيمانها بالله الذي لا يضع أمام المرء مشكلة صعبة لا يستطيع حلها، ربما يعتقد من يناضل انه غير قادر على تحمل العبء، أعادتني ايضاً بالصورة الى ذلك الرجل الذي يحمل اكياساً ثقيلة على ظهره، ربما يكون قادراً على حمل اوزان اثقل، لكنه يتجنبها ويحمل الأوزان الخفيفة، واذا اعطي مزيداً من الوزن، يعتقد انه سينهار، لكن يضاف اليه حمل آخر بعد برهة، فيصمد ويستمر في السير.
فكانت فيما هي عليه، دليل ان الاعباء من بعد اختفاء زوجها ثقيلة، لأم واولادها، تفتش عن ما تيسر من خبز لاطعامهم من شوارع بيروت وازقتها. حتى اشارت هذه المرأة القابعة في شارع الحمرا الرئيسي طارحة كفها للمارة علهم يلتفتون الى اطفالها الذين هم في حاجة لقليل من الطعام لدفىء امعائاتهم. تضيف وعلى وجهها دمعة تجمدت من صقيع كانون في صوت خافت، صدقوني انا لست معتادة على ذلك، (الشحادة) الحرب على سوريا ارادت ذلك، هنا تلملم طفلها الرضيع في قميص لا يحمي جسم شاب من اشعة الشمس.
وتقول ثناء حسنو، لقد تخلى عني بلدي ومن ثم زوجي، السؤال لمن اترك اطفالي، المسكن ليس افضل حالاً من هنا في الشارع، غرفة في منطقة الاوزاعي، لا تصلح (لاسطبل) وليس فيها اي من شروط لا لصحة ولا لغذاء ولا لراحة، فمن حيث الجدران الممتلئة بمياه الشتاء والرطوبة، حدث ولا حرج، الاثاث فراش واحد لاغير، نحاول ان نستجمع بعضنا ونتكيف عليه ليلاً، والدفىء غير موجود، لأنه ينقصه المال، ان كان من ناحية الكهرباء او مستلزماته. يقع ايجار غرفتي هذه مئتا الف ليرة لبنانية شهرياً، والدفع سلفاً، لخوف اصحاب الغرفة من اختفائي فجأة وعدم الدفع لانني نازحة سورية.
لجأت حسنو، الى مركز الامم المتحدة كي تؤمن ما توفر من مساعدة، او اعانة، او على الاقل ما تيسر، فلا جواب حتى ساعة لقائنا بها.
اراد الشعب السوري ان يمتلك حياة غير محدودة باعتباره ان هناك فرصة قد اتته تحت عناوين عديدة للبدء من جديد، فكان المؤلم والمخيف أن انتهى به الأمر في الجحيم قبل الموت، فالمجهود كان دون جدوى، كذب وطغيان، قهر للرجال، وضاع الآمان، ولم نرى ان هناك ولادة من جديد او انقاذ لثورة، كانت بين واقع… وخيالات.
مأساة يعيشها بعض من شعب في زمن المجهول، اعادتني ايضاً بالذاكرة الى ان لا تشك، ما من احد قدم لي شيئاً، أو بعد كل ما فعلته له، انقلب علي وخانني. الناس يتذكرون دائماً ما فعلوه للأخرين وينسون بسرعة ما فعل الأخرون من اجلهم، وتلك حقيقة واقعة.
عندما تفعل شيئاً للأخرين، من المهم أن تفعله دون ان تنتظر أي مكافأة وأن تنسى مافعلته. وفي الوقت نفسه، تذكر ما فعله الآخرون من أجلك وواظب على الشعور بالامتنان لهم مدة طويلة.