محطات نيوز- بين انخفاض في أسعار بعض السّلع، واستمرار ارتفاع بعضها الآخر، يبقى المواطن رهينة عَدَم الإستقرار على مستويات كافّة، خصوصاً أن انخفاض الأسعار لا يشمل كلّ المواد والبضائع الأساسيّة، ولا يُمكن جني ثماره في كلّ المحال والمتاجر، بطريقة مستقرّة وثابتة.
اللّبناني تعوّد على تأرجُح سعر الصّرف منذ أشهر. وربما يكون عوّد نفسه على عدم استقرار مالي أكبر، سيصل إليه خلال الأيام والأسابيع والأشهر القادمة، طالما أن الجمود السياسي هو نفسه الذي يتحكّم بالقرار المالي، والإقتصادي العام، والذي يمنع أي تفاؤل بإنقاذ قريب.
اللّبناني تعوّد على استزافه مالياً. وكما ابتلع ارتفاع سعر الدولار قُبَيْل وبُعَيْد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، الى 1800 و2000 و2500 ليرة، تقبّل مسألة أن عودته الى حدود 1515 مستحيلة، وهو سيتلقّف حتماً وصوله الى حدود 50 و100 ألف ليرة ربما. والتقارير التي تتحدّث عن انهيار متوقّع للّيرة اللّبنانيّة، قبل نهاية العام الحالي، بأرقام ومعطيات مُقلِقَة، قد تساعد على تهيئة الأرضيّة الخصبة لتقبُّل الإنهيار، منذ ما قبل حصوله.
بورصة للطعام
نعود الى المواد الغذائية، التي تشكّل همّاً يومياً، أو شبه يومي، مع أسعار تتأرجح على مستويات متعدّدة، فيما الأخطر هو التعوّد على بورصة لأسعار الأطعمة. فعلى سبيل المثال، وإذا كان سعر اللّحم انخفض الى 55 أو 60 ألف ليرة، في بعض المتاجر، فهذا لا يعني أنه يجب تقبُّل ذلك، حتى ولو استقرّ. فهذا الإستقرار يستنزف القدرة الشرائية لمعظم اللّبنانيّين، وخصوصاً لأولئك الذين كانت قدراتهم الشرائية مُستَنزَفَة أصلاً منذ ما قبل ثورة 17 تشرين الأول.
الخطورة تكمُن في أننا نقبل الشّواذ، في كثير من الممارسات، وانطلاقاً من كثير من أمور “الأمر الواقع” التي تُفرَض علينا، بحجج “تقنيّة” كثيرة، وذلك منعاً للوصول الى الأسوأ. فتقبُّل انخفاض سعر عبوة الخميرة (على سبيل المثال) الى 4500 و5000 ليرة، والاكتفاء بالقول إن ذلك يبقى أفضل من الوصول الى مرحلة تخطّيه (السّعر) الـ 6000 أو الـ 7000 آلاف ليرة، لا يعني أن عملاً صحيحاً يحصل في البلد.
والأمر نفسه نطبّقه على اللّحم، وعلى سلع غذائيّة أخرى. فإذا كان سعر كيلو اللّحم مثلاً، لامس الـ 90 ألف ليرة في كثير من الأماكن، لأسباب وتبريرات متعدّدة، خلال الأسابيع الماضية، فهذا لا يعني أن انضباطه حالياً عند حدود الـ 60 أو الـ 55 ألف ليرة، هو أمر صحيح، ومُمكّن من بدء مرحلة من الإستقرار.
وبالتالي، لا معنى لأي سلّة غذائية مدعومة إذا لم تؤمّن الأمن الغذائي للنّاس، بما ينسجم مع القدرة الشرائيّة التي لم تتطوّر، والتي تتآكل، في شكل يومي، ومخيف. ولا يجب فرض أي مساومة على النّاس، تقوم على ركيزة تقبُّل السيّىء، منعاً للوصول الى الأسوأ، بتبريرات “تقنيّة” كثيرة، صحيحة، ولكن لا يُمكن تحميل تكلفتها للمواطن “المعتّر”. فضلاً عن أنه يتوجّب إخبار القيّمين على البلد بأن المياه باتت تحتاج الى دعم، وهذا لا يجوز أبداً، مهما كثُرَت التبريرات!
كرز
في السوبرماركت، وفي القسم المخصّص لبيع الخضار والفاكهة، صادفتُ امرأةً تسأل عن سعر كيلو الكرز، لأن سعره ما كان مُحدّداً على لائحة الأسعار الموجودة. وبما أن الموظّف لم يسمعها، قصدتُه عن قُرب، وطرحتُ السؤال عليه، فأجابني، 9 آلاف ليرة. وعندما عدتُ بالجواب إليها، أفرَغَت الكيس الذي كانت تحمله، وأعادت الكرز الى مكانه، قائلةً “ما لازم حدا بقا يشتري شي بهالبلد، وخلّي الخضار والفاكهة تموت بأرضا”!
وعندما هززتُ رأسي، مُظهراً تعاطفي مع صرختها، تابعت:”لو في شعب بلبنان، لكان الدولار هلّق بـ 1100، بسّ نحنا مش شعب…”.
ورغم أن لا “تقنيات” مترابطة في تعبيرها عن منطقها، إلا أن الجزء الأخير من الحديث معها كان الأقسى، إذ قالت:”لو بدنا نموت من الجوع والعطش والمرض… ما لازم حدا يشتري شي بقا بهالبلد، وخلّيلون البضاعة محلّا، تعفّن ويعفّنوا معا”…!