مَسّيكْنُفُكُمُ”!!! – حبيب يونس

محطات نيوز – ما رأيكم، دام فضلكم، وخُفِّف عن كاهلكم حملكم، لو نعتمد أغنية فيلمون وهبه “مَسّيكْنُفُكُمْ”، من الآن فصاعدًا، الأغنية الوطنية الأولى في لبنان، ونعممها على كل وسائل الإعلام، ونبثها على مدار الساعة، ونرددها في أماسينا وحفلاتنا الخاصة والعامة، إلا إذا شئتم استبدال النشيد الوطني بها؟… نعمة كريم.

تعود هذه الأهزوجة الانتقادية الساخرة إلى نهاية العام 1982، وقد أداها شيخ الملحنين في حلقة، على تلفزيون لبنان (رزق الله)، مع المميز رياض شرارة (المفتقَد بدرُه في ليالي شاشاتنا الظلماء)، وفي حضور الغائبة الحاضرة سميرة توفيق.

خُيِّل، سنتذاك، للبنانيين أنهم استعادوا سلامهم، وانتهت الحرب التي اندلعت قبل سبع سنوات، وانتشر الجيش اللبناني في بيروت الكبرى، من ضمن خطة تدريجية لاسترجاع السيادة على الأرض، واستعادت الدولة هيبتها وفرضت إدارتها وبندقيتها وحدها، على حساب ميليشيات الحرب وأمرائها.

غنى فيلمون وهبه بطرافته المعهودة وحضوره المحبب وجرأته الصارخة: “مَسّيكْنُفُكُمْ، مَسّيكْنُفُكُمْ، فيلمون أتى ليغني لكم، ليكلمكم، ليبهدلكم، ليخجِّلكم، إي هاتوها هاتوا بنادقكم، فارتاحوا انضبوا بمنازلكم (…) ما حل بكم؟ بهدلتونا، خجَّلتونا، جرَّصتونا، هجَّرتونا، شو ضربتكم…”.

معه حق ذاك المبدع الذي لن يتكرر، وكم تصح اليوم الكلمة التي ألفها آنذاك، كأنه أراد بها أن يمسي على اللبنانيين، شاتمًا بتهذيب طريف كل شواذ وكل عصي وكل خارج على قانون أو على شرعية. ومكان تلك الكلمة الآن، في ضوء ما تشهده طرابلس، خصوصًا في الجولة الثامنة عشرة، للمعارك الدائرة فيها، وقد اندلعت بعد “الإبداع” السياسي الأمني الذي تميزت به السلطة الرسمية، وسمَّته الخطة الأمنية، فكان أن ذهب ضحيته أبرياء، ووُضع عناصر الجيش في مرمى النار، وازداد الدمار والخراب، وعمَّ القلق والخوف أبناء عاصمة الشمال الرهينة.

ليس المقصود باسترجاع أهزوجة فيلمون وهبه وإسقاطها على الواقع الطرابلسي، مَن يسميهم “جهابذة” السياسة و”أساطين” الأمن، والإعلام المأجور الغبي، “قادة المحاور”، عوضًا عن “زعران الأزقة”، ولا المطلوب منهم أن “هاتوها هاتوا بنادقكم، ارتاحوا انضبوا بمنازلكم”… لأن هؤلاء وقود وأدوات ليس إلَّا. بل المقصود كل من يعمل في الشأن العام، أصاحب سلطة أو موقع رسمي كان، أم سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا… وتعامى عن الخطر الذي بدأ يحدق بطرابلس منذ الجولة الأولى، ولم يحسم ساعتذاك الأمر، “على كعبه”، ولم يئد الفتنة في مهدها. ومن نأى بنفسه، ومن برَّر، ومن سكت، ومن عجز، ومن قصَّر، ومن تخاذل، ومن استهول، ومن أجَّل، ومن غطَّى، ومن تواطأ، ومن حرَّض، ومن أجَّج، ومن رعى، ومن موَّل، ومن تفلسف، ومن نظَّر، ومن شارك، ومن راقب، ومن خدع وخادع، ومن تورط من رأسه حتى أخمص قدميه، ومن ربط وحلَّ، ومن أهدر الدم وحلَّله، ومن أسر المدينة وفتحها على حروب الآخرين على أرضها…

هؤلاء من يقال لهم “مَسّيكْنُفُكُمْ”، جميعًا من دون استثناء، ويقال أيضًا “هاتوها هاتوا عقولكم ووجوهكم وتصاريحكم وبزاتكم وربطات أعناقكم وساعاتكم وقمصانكم وسراويلكم وسياراتكم الفارهة وإطلالاتكم وثيابكم الداخلية وجواربكم وأحذيتكم… وارتاحوا انضبوا بمنازلكم”، وأريحوا طرابلس ولبنان، وأهلها وشعبه، منكم.

“مَسّيكْنُفُكُمْ” قشة لفة… وليسقط كل تبرير وتحليل وتعليل لهذه المجزرة المتمادية، أمام مشهد الدم والدمار، وأمام اللغة الخطابية المفخخة والمواقف المسمومة والرهانات الخنفشارية والارتهانات الخارجية.

“مَسّيكْنُفُكُمْ” عن “أبو جنب”… ما دمتم تجار دم وأديان ومذاهب، لا حرمة لديكم لشيء، ولا عيب على شيء، ولا حرام. تركبون رؤوسكم الفارغة إلَّا من كراسٍ باطل مجدها، و”تنمِّرون” بعضكم على بعض، وتشرعون أبواب المدينة التي كانت ذات يوم أول أمم متحدة في التاريخ، على مجهول، وفي ظنكم أنكم تصنعون التاريخ، فيما مزابله قد حجزت لكم المكان الذي يليق بكم بين قماماتها.

“مَسّيكْنُفُكُمْ” واحد يخبر الثاني… أليس لمسلسلكم الدموي هذا من نهاية؟ ألا تكفي منه ثماني عشرة حلقة، مملوءة جثثًا وجرحى وأحلامًا محطمة وأرزاقًا، مثل الأعناق، مقطوعة، وهجرة وتهجيرًا، وزعرنة وتنكيلًا، وكذبًا وتدجيلًا؟ مسلسلات أيام زمان، يا “مَسّيكْنُفُكُمْ” جميعًا، كانت تنتهي في الحلقة الثالثة عشرة… لكنكم، على ما يبدو، استطيبتم المسلسلات المدبلجة المستوردة، التي لا تقل حلقات الواحد منها عن مئة، ولا نحفظ منها، وحياة عينكم، سوى كلمة “تبًّا”… لكم ولمن ولَّاكم على البلاد ولمن حكَّمكم برقاب العباد. ويضيف إليها من يحب لبنان وطرابلس، وليس في يده غير الكلام والدعاء: “يا عيب الشُّوم عليكم”.

ويا أهل طرابلس… عفوكم. انتهت المسرحية. يجب أن ننهيها، ونختمها بالنشيد الوطني الجديد، نغنِّيه معًا، وقوفًا وقعودًا وجلوسًا واستلقاءً، لهؤلاء الوارد ذكرهم المقيت أعلاه، وكلُّنا فيلمون وهبه: “مَسّيكْنُفُكُمْ… مَسّيكْنُفُكُمْ… من هون رايحلكم”.

اضف رد

إضغط هنا

أحدث المقالات