محطات نيوز – جوزيف حبيب
في ذلك النهار المشؤوم من شهر أيلول المبلول بالدموع، أضاء سماء بيروت دوي انفجار غيّر مسار الأمور في الوطن الممزّق الأوصال. شعر المسيحيّون في أعماق وجدانهم بوخزة أليمة قبل سماعهم الخبر المفاجئ الحزين.
لقد فقد الأحرار في مصر وتركيا وسوريا وإيران والعراق والأردن والخليج… “نكهة الطمأنينة” التي راودتهم بشكل غريب طوال 21 يوماً. خمدت شعلة نيران الحطب المتفحّم وسط الجموع المتكوكبة في أدغال جنوب السودان المقاوم، وسكتت أجراس الكنائس المشرقيّة مترقّبة “فاجعة التاريخ”.
“المناطق المحرّرة” صامتة صمت الموتى في القبور، لا هدير للراجمات والمدافع ولا أزيز الرصاص يعلو. القرى المحتلّة مضطربة، قلقة، تلبس وشاحاً أسود على تلالها.
أفواه تهمس همساً: لقد قتلوا بشير ! وآذان أصحاب تلك الأفواه المتكلّمة ترفض التصديق !
مات الرجل… لا لم يمت… وعند سماع الخبر الرسمي الصاعق مع أنهار دموع المسيحيين التي تبكي الحلم دماً وعلى وقع هول المشهد وظلاميّته، أصرّ كثيرون على أنّه لم يستشهد… لقد نقلته طوّافة عسكريّة وسيعود في اللحظة الحاسمة… وما زالوا منتظرين !
لم تتحمّل عقول الناس ولا قلوبهم حجم الخبر المأساوي. 20 يوم ويوم، هذا كلّ ما استحقّه المقاومون الأحرار في هذا الشرق المريض.
منذ ذلك التاريخ، ونحن “نُستنزف وجوديّاً” ونغرق في مستنقع المجهول. بدل أن نحمل المشروع ونكمل المسيرة، ما زلنا نقتل الناطور وندوس العنب !
نبكي على قبر بشير ناحبين ومتاجرين بدماء الشهداء، عوض استثمار هذه الوزنات الثمينة لترسيخ “الوجود الحرّ” وتشييد “المشروع الحلم”.
صحيح أن بشير رحل، لكن من المعيب علينا بعد اليوم، أن لا نحيي حلمه من سُباته العميق.
بشير لن يعود، لكنّ مشروعه يجب أن يتجدّد ليكون “حجر الزاوية” للبنان الجديد.
القضية التي استشهد من أجلها بشير والثوّار، لن تموت، وستحيا من تحت رماد التكاذب والرياء والذميّة والوصوليّة والفساد… لتهدم هيكل النظام وتحطّم قيود الفهارير… والسلام.