محطات نيوز – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، عاونه فيه الكاردينال كلوديو هومس والمطارنة: بولس صياح، إدغار ماضي والوكيل البطريركي الخوري جوزاف بواري والخوريان خليل عرب وحبيب صعب، وخدمت القداس جوقة حصرون، في حضور النائب السابق جبران طوق وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “دعا يسوع الاثني عشر فأعطاهم سلطانا… وأرسلهم”(متى 10:1)، جاء فيها: “منذ ألفي سنة والرب يسوع يدعو خلفاء للرسل، هم الأساقفة والكهنة معاونيهم، ليكونوا في حالة اتحاد معه ومعرفة عميقة لشخصه؛ ويعطيهم سلطانا لطرد الأرواح الشريرة، وشفاء المرضى، ثم يرسلهم لإعلان ملكوت الله والكرازة به. إنها رسالة يسوع المسيح لخلاص الجنس البشري ولتقديس حياة كل إنسان. هذه الرسالة سلمها الرب للكنيسة ورعاتها بدءا بالرسل الاثني عشر، وصولا إلى خلفائهم الأساقفة ومعاونيهم الكهنة. في ضوء هذا الإنجيل، يُدرك المسيحيون رعاة وإكليروسا وعلمانيين، دعوتهم إلى قداسة نفوسهم بكلمة إنجيل المسيح ونعمة أسراره الخلاصية وبفعل الروح القدس وحلوله. كما يدركون أنهم أصحاب رسالة في مجتمعاتهم وأوطانهم”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، في هذا الأحد الأول من انتقالنا إلى الكرسي البطريركي الصيفي في الديمان، وبخاصة مع أهالي الديمان المقيمين في البلدة ولبنان، والمنتشرين في كندا وأوستراليا وسواهما من بلدان الانتشار. إنها مناسبة لنعرب لكم عن محبتنا وتعاوننا معكم في خدمة رعية سيدة الكرم في وادي قنوبين ورعية مار يوحنا مارون في الديمان، والمحافظة على الارض واستثمارها”.
وتابع: “اننا، بالنسبة إلى وادي قنوبين، نعمل جاهدين مع المراجع المدنية على إحيائه وتعزيزه تسهيلا لوصول الزوار إليه وإلى الكرسي البطريركي وإلى مدافن البطاركة في كابلة القديسة مارينا، وعلى إحياء حياة القرية والرعية، إنسجاما مع تاريخها وتراثها الروحي والكنسي، وفقا للأصول الأثرية والتراثية”.
أضاف: “بالنسبة إلى رعية مار يوحنا مارون في الديمان، فإنا نبارك جهودكم وسعيكم إلى إنجاز مشروع الكنيسة الرعائية الجديدة بحيث تتسع لكل المناسبات الراعوية، بتوجيهات سيادة نائبنا البطريركي العام المطران مارون العمار، وموآزرة الآباء الكهنة، وعناية لجنة إدارة الوقف وبناء الكنيسة. إن إنجاز هذا المشروع الخير يتلائم مع العمران الجاري في بلدة الديمان العزيزة. ونعرب عن شكرنا لكل الذين تبرعوا بفرح وسخاء، وعن سرورنا ببدء الحفريات والعمل، مستفيدين من فصل الصيف. إن دعم أبناء الديمان المغتربين لمشروع الكنيسة الجديدة علامة شكر لله على الخير الذي أفاضه عليهم في عالم الانتشار، جراء جهودهم وتضحياتهم وأتعابهم. لكننا نعلم أن الله يطلب منا المساهمة الممكنة لكي يكمل هو الباقي على طريقته، عملا بقول المزمور: “إنْ لم يبنِ الرب البيت، فباطلا يتعب البناؤون”(مز127: 1).
وقال: “لقد زرنا أول من أمس البساتين والبحيرات وبرك الري في جرود الديمان والحدث وحصرون، وسررنا بجهود أهل الجبل العمرانية على مستوى الزراعة والبناء. وهكذا يحافظون على أرضهم ويستثمرونها ويعيشون منها بكرامة. وقدرنا مساهمة الكرسي البطريركي في هذا المجال. نأمل أن تنفذ الدولة ما خططت للمنطقة من سدود لتجميع المياه، فيتمكن المواطنون من استثمار متزايد لأراضيهم، ما يشجع أولادهم على التعلق بأرض آبائهم وأجدادهم الذين كتبوا عليها تاريخنا، ومن واجبنا أن نواصل كتابته”.
أضاف: “يسعدنا أن يشارك معنا في هذه الذبيحة الإلهية “شبيبة العودة إلى الجذور، Back to roots” الآتون من أميركا وكندا. وهم في زيارتهم السنوية الخامسة التي تدوم أسبوعَين، من ضمن برنامج تنظمه “أكاديمية شبيبة العودة إلى الجذور”. يضم البرنامج أربعة محاور: اكاديمي وسياحي ووطني وزيارات فنية. إننا نرحب بكم وندعو لكم بطيب الإقامة”.
وتابع: “دعا يسوع تلاميذه الاثني عشر ليكونوا معه”(متى 10: 1). دعاهم بأسمائهم، للدلالة على حبه لكل واحد منهم. ثم سماهم رسلا، مرسلين من قبله، ليخدموا باسمه وبسلطان إلهي منه شفاء النفوس والأجساد، وإعلان إنجيل ملكوت الله: إنجيل الحقيقة والنعمة، إنجيل الأخوة والعدالة، إنجيل الغفران والمصالحة والسلام. أما هم فلبوا الدعوة عن إيمان وسخاء وحب. وما زال الرب يسوع يدعو جيلا بعد جيل مَن يختارهم بالتفاتة حب لخدمة رسالة الإنجيل الخلاصية في الأسقفية والكهنوت والحياة المكرسة. إننا نصلي معكم من اجل هؤلاء جميعا، لكي يقبلوا الدعوة بأمانة وسخاء، ويحافظوا على شعلة المحبة في قلوبهم للمسيح والكنيسة وجميع الناس، ويتذكروا دائما أنهم “خدام المسيح ووكلاء أسرار الله”(1كور 4: 1)، وأنهم “سفراء المسيح المؤتمنون على كلمة المصالحة”(2كور 5: 20). فلا يضيع جوهر رسالتهم بين كثرة الانهماكات، ولا يتعثر بصعوبات حياتهم ومحنها والمعاكسات”.
أضاف: “أرسلهم يسوع وقال لهم: نادوا، لقد اقترب ملكوت السماوات”(متى 10: 7). وأعطى أوصاف هذا الملكوت، وهي: شفاء النفوس من الأرواح الشريرة، وشفاء الأجساد من كل مرض، والبحث عن الخراف الضالة، والكرازة بحقيقة الملكوت. إختصرت الكنيسة هذه الأوصاف بمهام المسيح الخلاصية الثلاث:
أ- الكرازة بكلام الله والتعليم بخدمة الكلمة.
ب- شفاء النفوس والأجساد، بخدمة النعمة.
ج- تدبير شؤون الجماعة المؤمنة، بخدمة المحبة”.
وقال: “لقد اتخذت يوم انتخابي بطريركا، أي أبا ورأسا لكنيستنا المارونية، شعار “شركة ومحبة”، كبرنامج لخدمتي. فقد رأيت حاجة ماسة اليوم إلى حياة الشركة والمحبة، أعني عيش سر الاتحاد بالله عموديا، بواسطة كلمة الإنجيل ونعمة الأسرار ومحبة الله، والوحدة بين جميع الناس أفقيا برباط المحبة التي تثبت شركة الوحدة بوجه كل ما يعاكسها”.
وتابع: “من منا لا يشعر بضرورة بناء حياتنا العائلية والاجتماعية والوطنية على أساس الشركة والمحبة؟ أليست هذه حاجة المجتمع اللبناني المنشطر سياسيا إلى شطرين متعاديَين ومتناقضين ومترافضين؟ من منا لا يأسف لنتائج هذا الانشطار الذي يطاول قلب العائلة الواحدة، والمدرسة والجامعة والمجتمع؟ ومن يجهل أن عدم إنتخاب رئيس للجمهورية هو نتيجة هذا الانشطار، ويشكل مخالفة جسيمة للدستور والميثاق الوطني؟ ألا يدرك المسؤولون عن هذه الحالة أن بغياب الرأس، تتفاقم حالة البلاد المتعثرة إقتصاديا، والمهددة أمنيا، وتنتهك من دون أي رادع حقوق العمال والموظفين والمعلمين، ويتزايد هدر خزينة الدولة، وتستباح سرقة المال العام ويتفشى الفساد في الإدارات. وكم يؤسفنا ويؤلمنا أن يؤدي إهمال سلسلة الرتب والرواتب لسنوات وسنوات إلى النتائج الإجتماعية والإنسانية والتربوية الوخيمة: من إضرابات عن العمل تشل البلاد، ورفض لتصحيح مسابقات الطلاب المأخوذين رهينة دون اي اعتبار لمصيرهم الجامعي ومستقبلهم. أكل هذه الاضرار الجسيمة التي تقترف بدم بارد بحق لبنان، دولة ومؤسسات وشعبا، تبرأ؟ و”فشة خلق” من انسان شريف مخلص للبنان وشعبه، يدافع عن حقوق العمال والسلسلة، ويندد بالتصرفات السيئة، وبمخالفة الدستور في طريقة فرض بعض الضرائب، يستحضر امام القضاء بدعوى “قدح وذم”؟ نأمل من المعنيين طي هذا الموضوع، والذهاب الى الجوهر والاساس من اجل الخير العام”.
أضاف:”إننا نقول للذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن يتستر وراءهم من الداخل والخارج، أنهم ينزلون ضررا كبيرا بلبنان. فدولة
لبنان ليست ملك لأحد، بل هي وديعة ثمينة مؤتمن عليها جميع اللبنانيين. ولبنان دولة تنتمي إلى منظمة الأمم المتحدة وهو عضو فيها وأحد مؤسسيها، وإلى جامعة الدول العربية كذلك. فيجب أن يظل مكان رئيس الجمهورية محفوظا فيهما. إنه لعار كبير أن يكون كرسيه فيهما شاغرا أثناء اجتماعاتهما وخارجها. من هذا القبيل تنادي الدول الصديقة البرلمان اللبناني لينتخب رئيسا للبلاد، حفاظا على مكان لبنان ومكانته في الأسرتين العربية والدولية. لذا، نناشد من جديد دولة رئيس مجلس النواب دعوة المجلس إلى جلسات إنتخابية يومية، وقد أصبحت إلزامية وحصرية بموجب الدستور. فمن خلال الاقتراع والتشاور المتواصلين يوميا، يتم التوافق على إنتخاب الرئيس الأنسب لدولة لبنان اليوم، وليس خارج هذه الجلسات. هذا، إذا كانت النية حقا إنتخاب رئيس للبلاد. لكننا نأمل دائما ذلك”.
وقال: “إن شعار “شركة ومحبة” مترجم أساسا في ميثاق العيش المشترك وصيغته، وهما تجربة لبنانية فريدة تقوم بشكل أساسي على فلسفة سياسية وجودية، تحققت في ميثاقِ تلاق حضاري بين أديان متمايزة، وفي صيغة حياتية تعترف بالآخر المغاير كشريك سياسي كامل العضوية في إدارة شؤون الوطن، وتحافظ على الذاتيات المتنوعة والمكونة للنسيج المجتمعي اللبناني. ولذلك، لا فصل بين الميثاق الوطني وصيغته التطبيقية وكلتاهما روح الدستور”.
وتابع: “من شأن هذه التجربة اللبنانية مساعدة بلدان الشرق الأوسط التي تعاني من ويلات الحرب والعنف والإرهاب وتنامي الحركات الأصولية، على الخروج من انزلاقه المدمر نحو الآحادية الدينية والمذهبية والسياسية والمجتمعية. وهو انزلاقٌ يتنوع بين مقصود ومفروض، وفي كلا الحالين مميت. ومع هذا نصلي دائما الى الله من اجل احلال السلام في سوريا والعراق والاراضي المقدسة، ومن اجل الاستقرار في لبنان”.
أضاف: “في هذا الأحد الذي نتأمل فيه برسالة الكنيسة والمسيحيين، يجب علينا أن نحافظ على رسالة لبنان، الذي قال فيه القديس البابا يوحنا بولس الثاني: “لبنان أكثر من بلد، إنه رسالة”. تقوم رسالته الاجتماعية والسياسية في هذه البيئة المشرقية، حيث توجد الآحادية الإسلامية في البلدان العربية، والآحادية اليهودية في إسرائيل، على أنه مكان الوحدة الإنسانية والوطنية بين عائلات روحية ومجموعات دينية وثقافية وحضارية متنوعة. انها الحالة الاستثنائية الوحيدة بين التيوقراطية الإسلامية والتيوقراطية اليهودية، فقد أحل لبنان المواطنة السياسية محل المواطنة الدينية. وبهذا يتميز كيانه اللبناني في هذا الشرق”.
وتابع: “وحده رئيس الجمهورية المسيحي – الماروني الجامع والقادر بشخصيته وأخلاقيته وتجرده وتاريخه، يشكل الضمانة لهذه الميزة اللبنانية الكيانية. ولهذا السبب نصر على وجوب انتخابه اليوم قبل الغد. فإن كل تأخير أو مماطلة أو عرقلة لانتخابه إنما يزعزع الكيان اللبناني الموصوف، ويعطل مساهمة لبنان في استقرار المنطقة وسلامها”.
وختم الراعي: “نصلي لكي يعضد المسيح الرب رسالتنا المسيحية واللبنانية، ولكي يرسل لوطننا رجال دولة حقيقيين يخرجونه من أزمته السياسية وسائر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الناتجة عنها. وليؤهلنا بنعمته لنجعل من حياتنا نشيد شكر وتمجيد للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
