محطات نيوز – ليست أيما حسناء… إنها أم الشهيد، وفي عينيها من صدق الدمع ما يجعل الصخر الأصم يذوب، وفي قلبها من اشتعال الغُصص ما يحرق أي هشيم، وفي حضنها من ذاكرة الدفء ما يجعلك تحس أنها مريم العذراء وقد غمرت المصلوب، متفجعة، حين أنزل عن الصليب.
سافرة وهي تبكي شهيدها، إلا من حزنها وحرقتها وكرامتها. والدولة التي تفتش عن غطاء لتقي الجيش اللبناني – قال – شر الإرهاب والتكفير، سافرة مثلها، وهي تتباكى على الشهيد نفسه، إلا من عجزها وهزالها وكذبها وخداعها وفجورها وتورط بعض أركانها وارتباكهم، ومن رائحة الشهوة الدائمة إلى السلطة والحسابات التي لا تخطئ الطريق إلى كرسي من خشب…
قلت غطاء؟ وهل يجب أن نترك سترًا مغطى، على دولة كهذه، لا رؤية لديها ولا بصيرة ولا تبصر، لا استشراف ولا حلم، لا حس وطنيًّا ولا حكمة… بل مصالح ولا من يشبع، وارتهانات ولا من يخجل، ورهانات ولا من يعتبر أو يتعلم، وتصريحات ولا من يتقيأ بعد من عفونة الخشب التي تفوح رائحتها منها، وإجراءات ولا من يقف بعد ويقول: أوقفوا هذه المهزلة، ولا تضيفوا إليها وجوهكم ومواقفكم فصلًا بشعًا، هو لزوم ما لا يلزم، إن لم يكن قصاصًا تروج له وسائل إعلام، هي شريكتكم في كتابة ذاك الفصل.
صال التكفيريون الإرهابيون وجالوا في طول البلاد وعرضها. اختاروا، بداية أهدافًا، وجد البعض لها مبررًا. دخلت أعمالهم في صلب الانقسام السياسي المحلي. قد يكون الأمر مفهومًا من هذه الزاوية، وإن كان أي بشري يحمل ذرة من الإنسانية، يربأ بنفسه أن يجيز جرائم كهذه. أما أن يُستهدف الجيش بالعمليات الانتحارية، حيث ينتشر ليمنع اندلاع فتنة، أو لدرء خطر، ولا يكون أداء أهل هذه الدولة في مستوى ذاك الاستهداف السافر، فهذا ما ليس مفهومًا ولا مقبولًا، وتستمر حياتهم كأن شيئًا لم يكن، وهم سعداء على كراسيهم، ما دام لم “تدق شوكة” بهم أو بأبنائهم أو بحاشيتهم… أو بحساباتهم المصرفية.
جريمة عين عطا، حلقة في سلسلة، يجب أن تتوقف الآن الآن وليس غدًا. ليس جنود جيشنا، يا أهل هذه الدولة، يتامى لممناهم عن الطريق وألبسناهم بزات عسكرية، ونشرناهم في الثكن وعلى الحواجز والحدود والتخوم، وتركناهم لمصيرهم، يقتلون بهذا الشكل الوحشي. بل هم أبناء بيوت، اختاروا المهمة الأصعب، وهي أن يحموا أهلهم، ويذودوا عن ترابهم.
نشأنا وترعرعنا على أن الجيش هو دائمًا الصامت الأكبر. صحيح. سيبقى الأكبر، ولكن لا يجوز أن يصمت بعد الآن، خصوصًا أن مخطط استهدافه انكشف إلا لمن يريد أن يتعامى عنه. فضربه وتعطيل دوره وقدرته، تجعل لبنان أرضًا مباحة، لعصابات مسلحة، تجد، ويا للأسف، من يحميها ويسهل لها دروبها إلى الشر والفتنة، وتحوله بديلًا من الساح السورية، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها هناك، والقضاء على المئات من عناصرها، وآخرها في قرى منطقة القلمون، المتاخمة لبقاعنا وشمالنا.
أضف إلى جريمة عين عطا، استهداف عناصر الجيش في طرابلس، بدم بارد، من ضمن مخطط الاستهداف نفسه، عبوات واغتيالات واعتداءات… وأهل الدولة مشغولون، حينًا بحوار، وحينًا آخر بمهرجان، وأحيانًا بإطلالة، وأحايين، إن لم يكن دائمًا، بخشب كراسيهم وقماشها، تلميعًا وتنظيفًا.
دم شهداء الجيش، منذ أحداث الضنية، عام 2000، إلى اليوم، يلعن كل من سكت عن جريمة استهدافه الدائمة، وكل من وجد تبريرًا لها، وكل من عجز عن التصدي لها.
ودمعة والدة الشهيد، صرخة في وجه هؤلاء المتخاذلين جميعًا، “قشاشي” الكراسي الفارغة منهم حتى وهم “معرمُّون” عليها، يستقبلون ويودعون. وهي وحدها التي يحق لها أن تتكلم وتقرر، وتكون كحسناء قصيدة خليل مطران، التي ما كانت لترفع سترها وتمشي برأس مرفوع وجبين عال، لو أن في هذه الجمهورية رجالًا.
دمعة أم الشهيد، عفوك، حكامنا ليسوا رجالًا. وشعبنا، وا أسفاه، كحكامه. فابكي شهيدك… وابكي علينا، علك، بكبرك وصدقك، تكسرين هذا الصمت المشبوه الرهيب.
حبيب يونس