بحسب وجهة نظر من؟ – كريستيان بلّان الخاروف
نشرت بواسطة: Imad Jambeih
في أقلام وآراء
الخميس, 21 مايو 2020, 20:57
12 زيارة
محطات نيوز – كريستيان بلّان الخاروف
تنطلق التّربية من مبدأ أنّ الإنسان لا يملك أو يمتلك إنسانا آخر؛ والكلّ متساو في بنوّته للحياة المطلقة. فالإنسان بشموليّته كائن حيّ يَملِك ولا يُملَك، يَمتلِك ولا يُمتلَك. وليس بالضّرورة أن يشكّل ما اعتاده البشر في مجتمعاتهم من قيم موروثة تدفع نحو سلوكيّات معيّنة، أو اعتمادهم أعرافا وتقاليد مختلفة لم يشكّك بها؛ ذلك الأساس الأوّلي والعام للحياة. إن لم يقم الجميع باتّباعه فنهايتهم محتّمة.
فغالبا أو لطالما اعتمدت التّربية على الخوف جهالة؛ على اعتبار أنّ السّلطة والقرار لأقواهم دون أن يدركوا أنّه استمدّ جبروته من ضعفهم. والتّسليم بكلام الأوّلين وحكمهم من باب الأقرار بخبرتهم وبعد نظرهم في فهم الأمور دون الالتفات إلى الخبرة الشّخصيّة ولو المتواضعة منها! ألا هو من السّهل دائما الضّياع في المجموعة تحت شعار التأقلم للهروب من تحمّل المسؤوليّة، أو الهروب من تأنيب الضّمير في حال وقوع خطأ أو مأساة في حقّ أفراد من هذا المجتمع؛ أو الهروب من الشّعور بالذّنب؛ أم هو عدم القدرة على اتّخاذ قرار جريء وتحمّل عواقبه أو نتائجه؟ وقد ارتبطت كلمة “تربية” بكلمة “سلطة” على أساس أنّ القيّمين على التّربية وشؤونها يملكون السّلطة الّتي لا مفرّ منها. وقد أمّن لهم المجتمع الغطاء الشّرعيّ فأعطاهم الحقّ بالحكم على النّاس وبين النّاس؛ وتقرير ما الخطأ وما الصّواب ضمن قوانين مشروطة تخدم السّلطة المتسلّطة القائمة.
ولحقبات طويلة من التّاريخ، شكّلت التّربية السّلطة الأولى في تحديد مسارات الشّعوب! إذ كانت تقوم على الطّاعة. ضمن العائلة، الطّاعة للأب الّذي يملك القوّة والقرار قلا يجب معارضته؛ والّذي يملك القدرة على المعاقبة والقصاص وقد فوّضه المجتمع بذلك وأزعنت العائلة لهذا العرف؛ امتدادا إلى المجتمع المصغّر ومنه إلى الأوسع؛ حيث الأكبر سنّا هو المرجعيّة الرّوحيّة والتّربوية والسّياسيّة، والجميع يدين له بالاحترام وكذلك بالطّاعة. ومن جهة أخرى، حتّى لو لم يكن متقدّما بالسّن ولكنّه يملك صلاحيّة الحكم لأنّه الأقوى – بمفهومهم للقوة – عسكريّا، مادّيا أو أنّه يمثّل السّلطة الحاكمة، فعيّن حاكما بالشّعب أو بمجموعة ما.
الكلّ يدين له بالطّاعة يغلّفونها بصفة الاحترام وهي ليست سوى الخضوع للسّلطة الّتي يمثّلها. فكيف إن تكلّمنا عن من يمكنه البطش والتّنكيل بمن يعارضه واقتصاص حقوقه منه وإنزال أشدّ العقوبات به؟ فهناك الطّاعة ثمّ الطّاعة ثمّ الطّاعة! وإن ظهر في تلك المجتمعات من يرفض ذلك النّمط من العيش في الخضوع غير المبرّر، يطالب بالمساواة والعدل وتأمين الحاجات، وراح يتطرّق للحقوق وإلزاميّة احترامها وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه لبناء إنسان متكامل وليس تابعا؛ حُمل إلى السّجن أو حُمّل في نعشه؛ فأسكتوا من خلاله شعبا بأكمله لمدّة طويلة من الزّمن.
وهكذا دواليك من الصّغير إلى الكبير. إذ كيف يربّي الكبير ذلك الصّغير على الانسانيّة والحق بالعيش الكريم حين يخضع بنفسه لغيره؟ كيف يربّي هذا الكبير ذلك الصّغير وهو يخاف على حياته فيطيع ولو لم يكن موافقا؟ أثر الخوف على البشريّة ممتدّ امتداد العصور حتّى لأيّامنا هذه! تشهد له سلوكيّات البعض وتمسّكهم بالانتماء لشخص والتّبعيّة له. فكما ذلك الكبير، كبر الصّغير وورث الطّاعة عادة وعرفا وتقليدا. وهذا من جهة أخرى ما حاول بعض الفلاسفة وعلماء النّفس والاجتماع والتّربية تصحيحه.
ففي ظلّ تلك التّربية التّقليديّة القائمة على الخضوع للسّلطة وطاعتها وعلى قمع الأفكار التّغييريّة والإصلاحيّة، جرى البحث عن الإنسان. أين هو الإنسان من كلّ ما يجري؟ هل نُبقي على مفهوم التّربية التّقليديّة الّتي تعتبر أنّ الصّغير لا يفهم وعلينا تلقينه المبادىء والقيم كما نحدّدها له فيعتبر ويخاف فيقلّد وخوفا من القصاص في حال الخطأ أو طمعا بالمكافأة في حال أتمّ ما هو مطلوب منه، نكسبه لاحقا مواليا مطيعا يخاف العقاب؟ أنجرّد الأنسان من إنسانيّته فنمنع عنه الشّعور وندخله خانة الواجب وإن خالف يجب معاقبته؟ أم نبحث عن الإنسان في العمق؟ فنخرجه من دوّامة العنف نحو اللاعنف فيعمل على بناء ذاته واختيار المسار الصّحيح عن قناعة وعلم، لا عن خوف وجهل؟
2020-05-21