التدمير الممنهج للقيم الإنسانية – العميد الركن صلاح جانبين
نشرت بواسطة: Imad Jambeih
في أقلام وآراء
الثلاثاء, 14 أبريل 2020, 8:51
161 زيارة
محطات نيوز – العميد الركن صلاح جانبين
مما لا شكَّ فيه، أنَّ الأزمات في العالم، يُخطّط لها، وتُرسم من قبل أصحاب القرار، ومن قبل أصحاب الشأن والمستفيدين منها، والذين لديهم المصلحة العليا الاستراتيجية في حدوثها، والتي تتجلّى بالسيطرة ووضع اليد على مقدِّرات ومقوِّمات العيش ومصادره، وتقاسم الثروات المتمثّلة بالمياه والمعادن والنفط والغاز والفحم الحجري وكل ما له صلة بالثروة والسلطة والمال. والسلاح الحربي الفتّاك، هو الأسلوب الأفعل للسيطرة العسكرية على مقدّرات الشعوب المالية والاقتصادية والسياسية بأي طريقة كانت. فلإعمار الدول الفقيرة على سبيل المثال، أو لإعادة بنائها من جديد، يجب العمل على تدميرها بشكل ممنهج، وإفقار شعوبها وتفتيت مجتمعاتها، وضرب بنيانها، لتكون أسيرة لغيرها، حتى تأخذ الدورة الاقتصادية مجالها الطبيعي في العالم.
فمن يسعى في هذا العالم إلى إلهاء البشرية، وتشويه صورة الإنسان؟ وأي إنسانية هي، تلك التي بُنيت على القهر، والكراهية، والقوة، والظلم والجبروت؟ وكأنَّ الكرة الأرضية لا تتّسع للجميع؛ وكأنَّ الحرب يجب أن تستمّر، والجوع، والفقر، والموت يرافق البشرية على مرِّ العصور. متى نتنبَّه لما يُحاك ويُخطَّط له، ونحن نسير على خطاهم، مسيَّرون لا مخيَّرون، أهدافهم تتحقّق بمساعدتنا ولا ندري ما يجري من حولنا. باتت أعمارنا قصيرة، ولا نستخدم العلم والتكنولوجيا إلاَّ وفقاً لما صنعوه ووضعوه بين أيدينا مضيعة للوقت. ثروتنا منهوبة، وإدارتنا سيئة، أموالنا ليست لنا، قراراتنا ليست بيدنا. غذاؤنا ومياهُنا وبحرنا وهواؤنا وحقولنا ملوّثة، محاطون بالسموم والفايروسات من كلِّ النواحي(طبعاً بنسب معيّنة وبحدودٍ لا يستهان بها).
أليس الموت يلاحقنا في كلِّ مكان، وأعداد الوفيات تتكاثر وتتضاعف؟ من يُروّج للمأكولات والمشروبات التي تحوي مواداً مسرطنة؟ ومن يطعمنا السموم المصنَّعة التي تدخل أجسامنا، ثم يوعدوننا بإيجاد الأدوية المشكوك بأمرها؟ من ينشر المخدَّرات وتعاطيها وعاداتها السيئة بين الناس؟ من يحارب الفساد المالي المستشري، فساد الكبار والحكَّام والمموّلين والمثتثمرين؟ الفساد الأخلاقي، السياسي، التجاري والصناعي؟ وصولاً إلى الفساد العدلي والقضائي؟ أليس هناك من خَطَّطَ، ونظَّم، وأدار، وردَّد الكثير الكثير، بأنه الموجّه والحاكم والوالي، والمسيطر والمُفسد، والآمر الناهي؟ ما نكتبه هو للعبرة والانتباه والتذكير به، لأخذ الحذر، علَّنا نستيقظ من سُباتِنا ونعي ما يدور من حولنا. ومِمَّا قالوا على سبيل المثال لا الحصر:
• سنركِّز انتباههم على المال والماديات كي ينسوا القيم والأخلاق ولا يتواصلوا مع ذواتهم وأعيانهم، وسنضع لهم نظاماً مالياً يجعلهم سجناء مدينون دائماً، وكذلك الأبناء والأحفاد.
• سيكبرون مكتئبين وبدناء، وسنُلهيهم بالألعاب والملذَّات، وسيفعلون ما نأمرهم به من خلال عقولهم وانتمائها لأفكارنا وقضايانا.
• سنعيّن حكوماتهم بأنفسنا ونؤسِّس داخلها حكومات مضادة، معارضة وموالية، كلاهما تابعاً لنا، يعمل لصالحنا.
• سنسيطر على حياتهم ونفرض عليهم طريقة التفكير، وسيعيشون بخوف دائم من خلال الإعلام وبثّ صور الخلافات والنزاعات.
• أليس هذا ما يحصل تماماً في بلداننا، وفي مجتمعاتنا، وبيئتنا، من حروب، وقتل وتدمير، وكراهية وحقد، وفساد وفتن، وصراعات من هنا، ونزاعات من هناك؟ وما يؤكّد المؤكّد ما يحصل لنا اليوم في عالمنا الحديث، عالم التكنولوجيا والتقنية والمعلومات، عالم التطوّر والمعرفة، عالم القدرات التدميرية الهائلة، هو أزمة تفشي وباء الكورونا المستجدّ، ذلك الفيروس الصغير الذي لا يُرى في العين المجرَّدة، نراه يفتك بنا على مدار الكرة الأرضية من دون استثناء أو تمييز بين دولة عظمى متقدّمة ودولة نامية، أو تفرقة بين كبير أو صغير، أو بين حاكم ومحكوم، أو بين فقير وغني، قريب كان أم بعيد ومهما كان جنسه أو عرقه.
الأزمة الوبائية التي حجرت الشعوب، وعزلت الناس عن بعضهم خوفاً من العدوى ودرءاً لخطر التفشي والانتشار.
الأزمة التي عرّت الكثير من الأنظمة والمنظّمات الدولية، وفجّرت مقوّماتها الصحيّة الهشّة، وأظهرت عجز بعض الدول إلى حدٍّ كبير عن مواجهتها، والتي كانت تخصّص جُلّ قدراتها وإمكاناتها في الاقتصاد والهيمنة والمال والسلطة لصناعة الأسلحة، وآلات القتل والتدمير والسيطرة على مقدرات الشعوب، بدلاً من مساعدة الناس وتوزيع الأرباح على المحتاجين الفقراء الجائعين، إضافةً لصناعة الأدوية ومتمّماتها لمحاربة الأوبئة والأمراض التي قد تفتك بالبشرية وتزهق الأرواح.
ألا يُعتبر ذلك تدميراً ممنهجاً للقيم الإنسانية عن سابق تصوّر وتصميم؟ ألا يجدر بنا أن نتعلّم ونعتبر؟ ألا يجدر بنا أن نُخطِّط ونكون في جاهزية تامة لمواجهة ذلك العدو الخفي، الذي أصبح ظاهراً للعيان والفكر النيّر؟
2020-04-14