محطات نيوز – ما يلي ليس مرثية جورج زريق. هو باع حياته بثمن كبريتة. هذه مرثية نظام. نحن في نظام أرخص من كبريتة. نظام مؤهّل دائم للإشتعال.
بلدٌ يعسُّ منذ عقود. فيه عشرات آلاف التوائم لجورج زريق. كلّهم بحروق مختلفة. جورج زريق بالجَمع على أبواب المدارس والجامعات والمستشفيات. أنها محرقة نظام أراد جورج أن يخمدها باشتعاله.
ستحصل ابنة جورج على أغلى إفادة مدرسية في العالم. إفادة ممهورة بجثمان والدها.
في مراسم دفن جورج تمَّ دفن رجلٍ مريضٍ الى جانبه. رجلٌ هرِمٌ من آل دولة. كل أصحاب الدولة دُفِنوا معه. من عصى على مواراة الثرى دفن رأسهُ مؤقتاً ريثما يبرد الدم في جسد جورج.
كم جورج زريق يجتمع كل يوم على أبواب القصور؟ القصور تغصُّ بهم. أسعارهُم يحددها الزعيم من ربطة خبزٍ الى قسطٍ مدرسيٍ الى إذن دخول وخروج من مستشفى.
جورج زريق دخل قصرَ النار. كان أحبّ على قلبه من قصور الإنتظار الذليل. اشترى تخرّج ابنته بجثمانه. استحال جورج قصراً وأحرق كل القصور.
طبعاً لسنا في تونس. نحن في أوج الإحتفال بمنح الثقة لحكومة. هل يبيعنا نواب الأمة دقيقة صمت عن روح جورج قبيل الجلسة؟ ربّما. فرائحة الإحتراق تصل أيضاً الى ساحة النجمة.
غداً ستنتصر الحياة اليومية على جورج. شعبنا سطرٌ من النملِ طويل. كل نملة تحمل قشّتها. نحن نملُ الوَطَن . نخافُ الخروج من الصف. صفّ النّمل. جورج رمى بقشّتِه وخرج من صفوفنا. بالطبع كانت المدرسة الرسمية خياراً. لكنها خيارٌ محرِق.
هذا الرجل تسلّق أبوَّتهُ حتى القِمّة. رحل من دون رقيم بطريركي. من دون تقليد لوسام من رتبة مُواطِن صالح. رحل وسط بخورٍ توهّجَ من احتراق جسده. أشعل جورج بخور جنازته وهو مسَجّى. مُسجّى مثل ضمير النظام.
بعد أيام سيفتش أولاد جورج عن مُعيل. الله أعلم أي دولة أجنبية ستدخلُ على خط النار. أما نظامُنا فيبقى دولة أجنبية مقيمَةً عندنا بتأشيرة سياحة. نظامٌ سائح. نظامٌ لا تنقصه سوى كبريتة جورج.
لقد حان الوقت لترك عائلة جورج زريق وشأنها. دعوها تتناول حزنَها قربانة. ليست بحاجة الى حزننا ولا إلى تضامننا. كرامتها تكفيها لتلمّس طريقها.
اليُتمُ مدرسة. يُصدِرُ لنا كل يوم إفادة من دون واسطة. تراكمَت الأقساط على جورج فسدّد حياته دفعةً واحدة. وتراكمتِ الديون على الدولة فسدّدها بعض من فيها فساداً دفعة واحدة.
وطن بكامله يحترق مع جورج…